بحث ..

  • الموضوع

كلمة ممثل سماحة شيخ العقل خلال تأبين المغترب محمد خضر

أقيمت في بلدة عين عطا في قضاء راشيا الوادي مراسم تأبين المغترب محمد خضر المتوفي في المهجر، في مقام الشيخ الفاضل، وألقى ممثل سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن عضو المجلس المذهبي الأستاذ علي فايق كلمة قال فيها: “بسم الله الرحمن الرحيم، في غيابِ الكبار، تقف الكلمة وَجلى إزاءَ وقارِ الرحيل، فيُضحي التعبيرُ في مشهديّةِ الوداع عاجزًا عن مواكبةِ الصورة وتجلّياتِها وانعكاساتِها الجميلةِ الزاهية.

محمد حسن خضر المهاجرُ اللبنانيُ الذي دفعَه طموحُه لتجاوزِ مُعاناة جيلِه ووطنِه في حقبةٍ من حقباتِ البؤس، وما أكثرها. لقد حملَ واحتفظَ في تلافيفِ عقله، وأغشيةِ قلبه، بقيَم هذه البلاد، فظلَّ حافظًا للأمانة، وهاجسُه العودةُ إلى المنابت الأولى، عَلَّهُ يسقيها ممّا كسِبت يداه من خيرِ الأرضِ الجديدة، وممّا أكسبتهُ التجربةُ المُرّة من أبعادٍ إنسانيّةٍ انعكست في شخصيتِه، فرجِعَ إلى عين عطا يفيضُ وجهه على المكان أُنسًا وحبّا وفرحًا وعطاءَ روحٍ وألقَ حضور.
وفي البرازيل، التي قدّمت للعالم نموذجًا للميدانِ المؤَنسَن والبعيدُ كلُّ البعد عن أيّ شكلٍ من أشكالِ العنصرية، كانت تجربةُ العمّ أبو حسن مثالًا للتفوقِ اللبناني وللطموحِ النازعِ نحو اللامحدود من الإنجازات، لكأنَّ رسالتَهُ في الحياة هي النجاح وقد كان دليلُه إلى ذلك حدسُه العميق، وقد صَدَقَته العزيمةُ ولم يخنهُ القدرُ في بلوغِ ما أراد لدرجةِ أنه كان يقول: “لو سُمِح ليَ أن أعيش حياتي مرةً أخرى فلن أغيّرَ فيها فاصلةً واحدة”. هي قمّةُ الرضا بقَدرِ ما هي قمّةُ التصالحِ مع الذات فكأنهُ يلتمسُ منها شيئًا آخرَ هو الإيمان، كيف لا وهو الذي وُلِد على سفوح الجبل الشيخ، هذه الأرض المثقلةِ بعبقِ الروح، وتزوّدَ من بلدتِه الرابضةِ على التلال بركةُ الشيخ الفاضل قدّسَ الله سرَّه وتشمّمَ من ندى وادي التيم رائحةَ التراب، فخفقَ قلبُهُ بروح الأرض، يرافقهُ الحنينُ إليها على مدى الدروب والأيام، وأمّا عن الإيمان تعلّم محمد خضر من طفولتِه التواضعَ التي هي ملَكَةٌ إنسانيّةٌ يبحث عنها الرجالُ طوالَ حياتهم وهي أيضا عنوانٌ للامتياز والتفوق والسيادة، ولا يكون الاعتدالُ والانضباطُ إلا حيثما يرتبط التواضعُ بأمر العقل، فالتواضع نوعٌ من تقييم النفس بشكلٍ يتجاوب مع الحقيقة. حيث كان يقول: “إن الأكثر أهميّة ليست الخريطة بل المسيرة، فلم أكن إلا سائرًا مُجدًّا خائفا من الضياع، وكان الله يلهمني أن أعطي ما في يدي اليمنى ليعود إليّ باليد اليسرى”. فمن قرّر السير تنفتح له الطريق على خطى المتصوّفين الكبار.

محمد خضر مدرسةٌ لبنانيةٌ كبُرت وتشعّبت في أقاصي الأرض وقد غادرنا إلى جنان الرحمن ليبقى عنوانًا من عناوين الكرامةِ والنبل والأصالة، تتطلّع اليه الأجيال منارةً تضيء الدروب وتكشف عتمة الطريق.
باسم سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن، الذي كلّفني وشرّفني بتمثيله وإلقاء كلمته في حفل التأبين هذا، وباسم المجلس المذهبي وباسمي أتقدّم من أهلنا في عين عطا بخالص العزاء، ومن أسرته في الوطن والمهجر بالمواساة بهذه الخسارة الوطنية.
رحم الله محمد خضر وعزّز في قلوبنا نعمة الصبر والرضا والتسليم، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

تصنيفات أخرى