بحث ..

  • الموضوع

رسالة سماحة شيخ العقل رئيس المجلس المذهبي بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله ربّ العالَمين، والصَّلاة والسَّلام على خاتم النبيين وسيِّد المرسَلين، وآله وصحبه أجمعين.

يُشبَّهُ قدومُ النبيُّ صلّى الله عليه وسلَّم إلى هذا العالَم بانبلاجِ الصُّبْح بعد الظلام، أي بسطوعِ نور الحقِّ مُبدِّداً عتمة الجهْل والطغيان. وكانت معاييرُ العلاقات بين القبائل والجماعات مُرجِّحةً لعناصِر القوَّة والتقاتُل والانتِماءِ العَصَبيّ والقُدرة على التسلُّطِ والتحكُّم بمقدِّرات المُعطَيات الطبيعيَّة والبشريَّة. لذلك، انقضتِ القرونُ التي بات فيها الغزوُ والقتلُ والسَّلبُ والسَّبيُ والاستيلاء على الغنائم من طبائع الأمُور والأحكام. وصارت العقولِ تقبلُ وترضى السّجود لتماثيل من صخر وخشبٍ وتمْر. وكان مولدُ النبيُّ، في البقعةِ التي كرَّمها اللهُ تعالى، إيذاناً بالهُدى والخيْر نقضاً ودحضاً لكلِّ ضلالِ وباطِل.
​هذه هي خلاصةُ المعنى إذ نقفُ اليوم في حرَم الذِّكرى التي يتوجَّبُ امتثالُها باستشعار حِكمةِ الله وما أرادهُ للعالَمِين من نُقلةٍ إلى رحابِ العدلِ والرَّحمة. قال تعالى في كتابِه الكريم ﴿وَمَا أرسلنَاكَ إلَّا رَحمةً للعالَمِين﴾ وقال عزَّ وجلّ ﴿وإنَّكَ لعلَى خُلُقٍ عظِيم﴾، وجعله لكلِّ النَّاسِ أُسْوة حسَنة، أي مثال للاقتِداء والاسترشاد واستلهام الحقّ بما أوتِيه من كلماتِه المُوحى بها إليه وفيها آيات بيِّنات مشرقات كان من شأنها أن تهديَ قلوبَ الخَلقِ إلى عصرٍ جديد.

إنَّ القيَمَ المتمثِّلةَ في مقوِّمات الدِّين الحنيف مرتبطةٌ بعهدِ الرُّوح الإنسانيَّةِ مع خالِقِها مُلهمِ الرَّحْمة والخيْر والحقّ والعدْل، لذلك هي قيمٌ خالدة وضروريَّة لبقاء المجتمعات وضمان استقرارها وازدهارها الحضاريّ في كلِّ وجوهِه. والحضارةُ هي الإنسانُ إذا ما وجدَ سبيلَه إلى الارتقاءِ بقوَّة تلك القيَم لا بأضدادها. والتاريخ يشهدُ في كثير من الحِقبِ على سقوطِ حضارات آل أمرُها إلى الفسادِ والتنازُع والطغيان والجشع والنزوع الوحشيّ إلى السيطرة والتحكُّم بالعِبادِ والطاقات.

إنَّ الأمرَ شديدُ الوضُوح ﴿إنَّ اللهَ يأمرُكُم أنْ تؤدُّوا الأمَانَاتِ إلى أهْلِها وإذَا حكمتُم بينَ النَّاسِ أنْ تحكُمُوا بالعدْل﴾ (النساء 58). فالحُكمُ أمانة، والعدُل أساسُه، وهذه هي الرِّسالةُ التي وٌلِد النبيُّ من أجل أن يؤدّيها ﴿وَلكنَّ أكثرَ النَّاسِ لا يَعلمُون﴾ (سبأ 36).

ولا يغيبُ على الإطلاق فيما نشهدُه اليوم في عالمنا المضطرِب. يهمّنا بلدُنا العزيز ومايضج به الان من صرخة شعب نحتاج إلى يقظةٍ في العقول والضَّمائر وما تمرّ به البلاد من ازمة سياسية اقتصادية اجتماعية خطيرة جدا اوصلت الاوضاع الى شفير الهاوية، تستدعي الاسراع في تكليف رئيس لتاليف حكومة جديدة تباشر فورا ورشة عمل على كل المستويات لوقف التدهور ومواجهة التحديات الكبيرة، وانقاذ الوطن قبل فوات الآوان. نداؤنا لكل القوى السياسية ان تستمع الى صوت الناس وتلبية حقوقهم ومطاليبهم، فذلك هو السبيل الوحيد لمنع الانهيار.
إنَّ بلدَنا اليوم بحاجةٍ إلى مشاركةِ العدد الأكبر من المُخلصِين لعبُور الجِسر إلى لبنان الَّذي نتمنَّاهُ جميعاً، لبنان الوطن المعافى المستقـرّ الناهِض من ركام الحروبِ والانحرافات المؤذية إلى بناء دولة القانُون العادِل والمؤسَّسات النزيهة والمواطَنة التي تُعيد لكلِّ مواطنيها فرص العدالة والنزاهة والحياة الحرَّة الكريمة.

مشاركة المقال

التعليقات

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اترك تعليقاً

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

المقالات ذات صلة

السابق
التالي

تصنيفات أخرى